الدولة العثمانية من حدود إمارة إلى إمبراطورية 

في الخمسينات القرن الرابع عشر كانت الدولة العثمانية مجرد امارة من الامارات الحدودية الكثيرة, الا أن الأحداث التي تلت سنة

1352 جعلت هذه الدولة متفوقة ,وجعلت كل الإمارات الأخرى تابعة لها خلال ثلاثة عقود من الزمن. وارتبط هذا التحول الحاسم بكسب العثمانيين لموطىء قدم لهم في البلقان . يتيح لهم التوسع باستمرار في اتجاه الغرب. لقد كان العبور من لأناضول إلى أوروبا أمرا محفوفة بالمصاعب، لأن الدردنيل كان يسيطر عليه المسيحيون. فالقوات التي كان العثمانيون يرسلونها إلى تراقيا لم یکن باستطاعتها الصمود، إذ إن البيرنطيين كانوا يتمكنون في كل مرة من وبصرف النظر عن عددها. وقد استمر هذا الوضع إلى أن حلت إمارة قره سي لواقعة على الشاطىء الشرقي للدردنيل، هذه المشكلة.

وفي الواقع لقد ساعدت العثمانيين حينئذ سلسلة من الأحداث لإحراز هذا النصر. ففي عام 1345م سهل النزاع على العرش الذي اندلع في إمارة قره سي على الأمير أورخان أن يضم هذه امارة إليه . وهكذا ساعدت قوات هذه الإمارة عبور القوات العثمانية للدردنيل بقيادة سليمان بن أورخان قائد لقطاع الغربي، الذي استفاد أيضا من كل الظروف في ذلك الوقت. ففي عام 1346 التحالف مع يوحنا الخامس الذي كان يطالب بالعرش البزنطي ,وتزوج من ابنته ثيودورا. وقد سمح بالتدخل في الشؤون الداخلية لبيزنطة، وحتى في المشاركة في دائرة في تراقيا.

وهكذا حين ذهب سليمان في عام 1352م إلى أدرنة لمساعدة كونتاكوزين ضد القوات الغربية والبلغارية، أخذ في طريقه قلعة (تسیمبه Tzympe) التي تقع على الطرف الأوروبي من مضيق غاليبولي ولم يكتف حينئذ برفض مطالب کونتاكوزين بالانسحاب من هذه القلعة، بل أخذ يوطد باستقدام قوات جديدة من الأناضول وحصار قلعة غاليبولي. وفي ليلة 2.1 آذار (مارس) 1354م حدث زلزال أدى إلى تدمير أسوار قلعة غاليبولي  وغيرها من القلاع في المنطقة، مما سهل على سليمان لسيطرة عليها. وبعد أن قام بترميم هذه القلاع واستقدام قوات أخرى من الأناضول لتمركز فيها وهكذا تمكن من توطيد العثماني في هذه المنطقة .

ومن أجل توطيد رأس الجسر الأوروبي أخذ سليمان بنقل المسلمين من لأناضول إلى أوروبا، وخاصة العشائر الرحل التي كانت تتميز بسهولة التكيف المكان الجديد، مما أدى إلى نشوء قرى تركية جديدة. أما الأراضي الواقعة تحت سيطرة سليمان فقسمها إلى ثلاثة قطاعات (اليمين واليسار والوسط) يتولى الحكم في كل واحد منها أمير غاز. وقد استمرت الفتوحات واتسعت الأراضي العثمانية إلا أن الوفاة المفاجئة والمأساوية لسليمان عام 1357 جعل أورخان يعقد الصلح مع بيزنطة وقد شجعت هذه الأحداث بيزنطيين حاولوا استرداد تراقيا بالوسائل الدبلوماسية، وهكذا أصبحت الأراضي التي كانت تحت سيطرة سليمان مهددة، بينما أخذت القوات العثمانية الحدودية تضطرب هناك .

عام 1359م، حين انفك أسر خليل أدرك الأمراء الغزاة أن جمود الوضع يمكن أن يسبب لهم الهزيمة ويجبرهم على الانسحاب من أن جمود الوضع يمكن أن يسبب لهم الهزيمة ويجبرهم على الانسحاب من أوروبا، ولذلك فقد قرر مراد،غاليبولي وبتشجيع من معلمه لالا شاهين،المعروف بشجاعته، حملة جديدة بهدف السيطرة على أدرنة. وهكذا تمكن الاثنان في السنة الأولى من فتح القلاع الواقعة على طول وادي ماريتسا، بالإضافة إلى القلاع الواقعة على الطريق الرئيسي الذي يربط القسطنطينية بأدرنة، مما

قطع خطوط التموين للمدينة وفي صيف 1361م فشلت آخر محاولة للقوات المدافعة عن المدينة واستسلمت أخيرة عاصمة تراقيا إلى العثمانيين .

كانت السياسة المتبعة في الأراضي المفتوحة عبر تراقيا تشبه تلك التي كانت تبع في الأناضول. فقد كان السكان الروم يلجأون تحت ضغط حملات المتواصلة للغزاة إلى القلاع. أما سكان المدن فقد كان الذين لا يقاومون العثمانيين، يأمنون على أنفسهم من أية إجراءات، بينما كان الذين يقاومونهم يضطرون إلى مغادرة مدنهم وتركها للأتراك. وقد عمدت الحكومة العثمانية إلى ترغيب أتراك الأناضول، وحتی باستعمال القوة أحيانا، للقدوم والاستقرار في المناطق المفتوحة. ومن ناحية أخرى أسس الدراویش زوايا كثيرة تحولت في ما بعد إلى نوى لقرى عثمانية جديدة. وهكذا فقد بدأ توطين الأتراك في تلك الأراضي فورا بعد فتح تراقيا، مما خلق هناك قاعدة قوية للتوسع العثماني اللاحق في أوروبا

. تبع الأتراك الطريق المعروف فيا (اغناتيا Via Egnatia) باتجاه الغرب ، حيث وصلوا عبر (سرز Serres) و(مناستر Monastir )و( Okhrida) إلى الشاطيء الألباني في عام 1385م. وفي مقدونيا وألبانيا قبل الحكام المحليون حينئذ بالسيادة العثمانية. أما الخط الأخر للتغلغل العثماني فكان يمتد عبر تساليا . حيث سقطت سالونيك بيدهم سنة 1387م، بينما كان الخط الثالث يتابع الطريق الرئيس الذي يربط القسطنطينية ببلغراد، حيث سقط وادي ماريتسا سنة 1367م بيد العثمانيين بعد مقاومة بسيطة. وفي 1395م تمكن العثمانيون من التغلغل عبر جبال البلقان، وذلك من خلال صوفيا ونيش، والسيطرة على وادي مورافا وإخضاع صربيا في السنة اللاحقة. وفي القطاع اليساري سار الغزاة عبر وادي (تونجة Tundzha) وعبروا جبال البلقان من مضيق کارنوباي، وفي عام 1372 أخضع العثمانيون أمير دوبروجا وملك بلغاريا. وهكذا فقد سيطر الأتراك في ذلك الوقت على الطرق الرئيسية في شبه جزيرة البلقان، وطبقوا مرة أخرى السياسة التي اتبعوها بعد فتح غاليبولي: وهي استقدام القبائل الرحل، وخاصة قبائل اليوروك القوية،

الإضافة إلى هذا كان لهم تفوق آخر مهم: الجيش الانكشاري, الجيش النظامي الأول في أوروبا. وكان السلطان قد شكل هذا الجيش من أسرى الحرب بعد فتحه أدرنة، وجعله تحت قيادته المباشرة. وفي ذلك الوقت أيضا وجد في كل دولة بلقانية حزب مستعد للتحالف هنغاريا أو أية دولة مسيحية أخرى في الغرب، وحزب آخر مستعد للتعاون مع العثمانيين. وبشكل عام، فقد كانت الأرستقراطية والشريحة العليا من رجال الدين ورجال القلم والقصر يميلون إلى التطلع للعالم الغربي المسيحي لطلب المساعدة، بينما كان السكان الروم الأرثوذكس يعارضون بقوة النفوذ الإيطالي أو أي تأثير كاثوليكي. أما العثمانيون الذين كانوا يؤيدون المسيحيين الأرثوذكس في هذا الموقف، فقد أصبحوا يعتبرون حلفاء لهم. وهكذا فقد تغلغل العثمانيون خلال أعوام 1346 – 1352م في تراقيا كحلفاء ليوحنا كانتاكوزين، بينما قاموا خلال أعوام 1356 – 1366م بإرسال تعزيزات عسكرية
المساعدة ملك بلغاريا لمواجهة ضغوط بيزنطة وهنغاريا ورومانيا كان العثمانيون يحترمون الأسس الإقطاعية. ففي البداية كانوا يكتفون بجزية سنوية محدودة من الحكام الذين يعلنون خضوعهم للدولة الإسلامية وفي وقت لاحق كانوا يطالبون الحاكم أن يرسل ابنه کرهينة، وأن يأتي إلى البلاط العثماني مرة في السنة التأكيد وفائه، وأن يرسل قوات للمساعدة في الحملات التي يقودها السلطان.

عهد مراد الأول(1362-1389م)

وخلال عهد مراد الأول ، أصبحت إمكانية الفوز بمنصب في الدولة العثمانية الآخذة بالتوسع تغري الغزاة والمستوطنين في الأناضول للالتحاق بهذه الدولة. وهكذا تذكر مصادر الشرق الأدنى المعاصرة أن هذا السلطان كان حاكم كل الإمارات الحدودية، ولذلك تمكن العثمانيون بسهولة من السيطرة على أهم أراضي إمارة كرميان بما في ذلك العاصمة کوتاهية، وعلى إمارة حميد باتجاه الجنوب ، ومع هذا فقد كان العثمانيون يسعون إلى تبرير اجتياحهم لهذه المناطق بالقول إن أراضي کرميان قد آلت إليهم بالميراث كجزء من بائنة (دوطة) السلطان بایزید، بينما قاموا بشراء أراضي إمارة حميد. لقد كان ضم العثمانيين لهذه الإمارة يهدد بشكل جدي .عاصمة قرامان. ولذلك حين تحركت قوات قرامان ضدهم ادعى العثمانيون أن هذه الخطوة تخدم أعداء الدين، ومن هنا فقد رأوا أن الشريعة تخولهم إخضاع قرامان. واستخدم العثمانيون مرارة هذه السياسة حين كانوا يهاجمون جيرانهم المسلمين في الشرق. وقد كرروا لاحقا التهمة ذاتها ضد مماليك مصر، وضد أوزون حسن، وضد الصفويين في إيران، حيث شنوا الحرب بواسطة هذه الفتاوي على كل العالم الإسلامي .
لقد صد مراد الأول في عام 1387م هجوم قرامان بجيش كانت تشارك فيه أيضا قوات حكام البلقان ، الذين خضعوا له كإمبراطور بيزنطة وحاكم صربيا وبعض الأمراء الصرب، وتمكن أن يلحق هزيمة حاسمة بمنافسه المسلم الذي كان جيشه يتألف من عناصر قبلية. ونتيجة لهذا الانتصار قبل حكام الإمارات المستقلة في الأناضول، كقرامان وجندرية.وفرع سلالة حميد في أنطاليا، بسيادة السلطان العثماني. ومع بقي استثناء يتمثل في القاضي برهان الدين، الذي حل محل سلالة أرتنا في الشمال

وبينما كان مراد الأول منشغلا بمشاكل الأناضول،تحالفت صربيا وبلغاريا والبوسنة ضده في البلقان، وتمكن البوسنيون من توجيه ضربة قوية,للجيش التركي في (بلوشنيك Ploshnik) في 1388م. وعلى الرغم من هذا تمكن العثمانيون في السنة ذاتها من شن هجوم سريع أخضعوا فيه بلغاريا السنة اللاحقة عبر السلطان مراد الأول البحر إلى أوروبا

تمكن العثمانيون في السنة ذاتها من شن هجوم سريع أخضعوا فيه بلغاريا ,وفي السنة اللاحقة عبر السلطان مراد الأول البحر إلى أوروبا بالقوات مساعدة أرسلها له الأمراء التابعون وتمكن في 15 حزيران (يونيو) 1389م م من تحطيم القوات المشتركة الصربية والبوسنية في معركة دموية جرت في سهل قرصوه (كوسوفو كوسوفا) وبهذا الانتصار تمكن العثمانيون من توطيد حكمهم في البلقان

السلطان بايزيد( 1389-1402)

 قام السلطان الجديد بایزید خلال سنوات 1389 – 1392 بضم العديد من الإمارات الأناضولية إلى دولته، وعين في المراكز العليا المماليك الذين تربوا في قصره انشغال بایزیدالمتزايد أخذ التأثير العثماني في البلقان يتراجع بالتدريج. وكان الوضع قد تعقد هناك نتيجة لأطماع هنغاريا وفلاشيا في القسم الدانوبي من بلغاريا ودوبروجا، مما هدد وجود بلغاريا المتضائلة. وهكذا قام (میرتشا Mircea)أميرفلاشيا،الذي كان يتمتع بدعم هنغاريا، بالاستيلاء على دوبروجا و(سیلسترا Silistra) على الضفة اليمني المجرى الدانوب الأسفل، بينما حاول الهنغاريون تعزيز وجودهم في فيدين  . وفي هذا الوضع تبين أن الحماية التي كان يمنحها العثمانيون للبلغار لم تنقذهم من الخطر الذي كان يهدد وجودهم. وهكذا قام السلطان، بعد

قدم إلى البلقان في عام 1993م، بوضع بلغاريا الشمالية تحت الحكم العثماني المباشر وعين الملك البلغاري أميرة تابعة له في نيقوبوليس، بعد أن طرد میرتشا من دوبروجا وسیلسترا. ومع أن إمارة صربيا كانت أيضا في وضع صعب كدولة حاجزة بين الدولتين العثمانية والهنغارية، إلا أنها لم تلق المصدر ذاته بعد خضع

ادى اغتيال السلطان مراد الأول إلى استقواء آل باليولوغ في بيزنطة , والمورة. فقد حاول هؤلاء أن يكسبوا البابا إلى صفهم، لكي ينظم حملة صليبية جديدة بعد أن وعدوه بتوحيد الكنيستين . وبلغ نفوذ البندقية إلى ذروته وفي مواجهة هذا الوضع استدعی بایزید الأول في عام 1394م الأمراء , التابعين في البلقان، بمن فيهم آل باليولوغ، لكي يؤكدوا مرة أخرى ولاءهم له. ولكن مع تهرب آل باليولوغ قام بايزيد الأول بحصار القسطنطينية وفتح تساليا وأرسل الغزاة إلى المورة، كما سیر حملة عسكرية إلى ألبانيا انتهت إلى طرد الأمراء المحليين ووضعها تحت الحكم العثماني المباشر. وفي عام قاد بایزید حملة عسكرية أخرى أوصلته حتى (سلانكامن Slankamen )على ضفة الدانوب، ومن هناك توغل في فلاشيا حيث هزم الأمير مير تشا و مع تقدمه تقدمه باتجاه نیقوبوليس تمكن بایزید الأول من أسر الملك البلغاري شیشمان، وقتله بعد أن اتهمه بالتعاون مع الأسر الحاكمة المحلية، اتجه بایزید الأول نحو إنشاء إمبراطورية بحكومة مركزية بدلا من تلك التي كانت تضم عدة دول تابعة. وقد أصبحت الدولة العثمانية بعد تصفية المملكة البلغارية، تتحمل المسؤولية المباشرة عنحماية حوض الدانوب الأسفل من المجر.

وسجلت الحملة الصليبية في نيقوبوليس في عام 1396م ذروة الصراع بين هنغاريا و الدولة العثمانية للسيطرة على حوض الدانوب هذا الانتصار أكد تفوق العثمانيون تفوقهم في البلقان , هكذ فقد تمكن بايزيد من تأسيس امبراطورية ذات حكم مركزي تمتد من الدانوب الى الفرات و قد قام بايزيد من شد الخناق على القسطنطينية تمهيدا لفتحها

الا ان تيمورلنك كان قد أسس في الوقت ذاته (1336 – 1405م) إمبراطورية قوية في اسيا الوسطى و ادعى لنفسه الحقوق السادية للأيلخانين في الأناضولوقد استفزه السلطان العثماني للقتال، حيث انتهت المعركة التي جرت بينهما قرب أنقرة في 28 تموز (يوليو) 1402م إلى انكسار بایزید الأول وأسره.وخلال هذه المعركة انضم فرسان الأناضول إلى أمرائهم السابقين، الذين كانوا قد التجأوا عند تيمورلنك. وقد أخذ هؤلاء الحكام السابقون تحت كانوا قد التجأوا عند تيمورلنك. وقد أخذ هؤلاء الحكام السابقون تحت السابق. وهكذا فشلت محاولات بایزید الأول لإنشاء إمبراطورية. فقد تقاسم الجزء الباقي من الأراضي العثمانيةأولاد بایزید الأول بعد أن أقروا بسيادة تیمورلنك. ولكن بعد وفاة تيمورلنك خاضوا صراعة مكثفة، لأجل استعادة السيطرة على الأراضي التي كانت لهم













مقال مأخوذ من كتاب تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار ص19

د.خليل إنالجيك ترجمة د.محمد أرناؤوط





ا